السرقة الادبية في الاسلام

ليس للسرقة الأدبية والفكرية حكم صريح عند الفقهاء والمشرعين المسلمين، لا قديماً ولا حديثاً، وكذا الحال في فقه وكتب أهل الأديان الأخرى. وعليه فقد كان محمد صاحب كتاب القرآن محظوظا والا لكان يقضي عقوبه الاعتداء علي حقوق البع لمن سبقوه.ولم تتوقف السرقة علي مجرد الايات والنصوص من كتب الاولين بل اعتدي علي الاصل واتخذ الله ملكا خالصا له وجعله يصلي عليه. الغرامة ومصادرة المال المسروق ومنع ممارسة مقترفها من الكتابة والنشر لم تطال المسلمين فاخذوا عليعاتقهم كتابه كل شئ باثر رجعي.فالنصوص العربية ما زالوا محميه من ان تلاعب بها احد لكن المسلمين لم يخجلوا باختراع فكرة ان نصوص الاخرين محرفة رغم انهم يرجعون اليها في تفسير الالغاز التي نطق بها نبي الاسلام. فهل هناك من مسخرة اكثر من هذا؟تحت ذريعة توارد بين الخواطر والخلل في الاقتباس يمكن تبرير الامر، مع أن السرقة غير ذلك تماماً، فهنا لا نتكلم عن توارد خاطر أو إهمال في ذكر مصدر الاقتباس والتضمين، وإنما نتكلم عن سرقة نصوص كاملة تصل إلى قصص انبياء وحيات قديسين بل وما جري في السماء بعيدا عن غار حراء الذي كان محمد يتلقي فيه وحيه علي انفراد دوب شهود او برهان.فالسرقة الادبية مارسها أشخاص لو تعرضوا للمساءلة ظهر جلياً عوزهم وفقرهم لما يتصدون له من أدب وعلم، وهم محتالون لا يقل فعلهم ضحالة من مزيفي النقود. وظلت السرقة الأدبية بعيدة عن الاهتمام البحثي والفقهي رغم كثرة السارقين والمنتحلين، بينهم وجوه معروفة، احتمت وراء شيوعها. وتخلو المكتبة العربية ما يعالج تلك الظاهرة الأخلاقية غير كتاب “السرقات الأدبية” لبدوي طبانة (القاهرة 1956)، وهو الآخر لم يتجاوز الكتب التي تناولت سرقات الشعراء المبررة في أغلبها. ومع اهتمام المؤلف في الماضي وعدم إشارته إلى سرقات الحاضر إلا أنه اعتبر السرقة الأدبية جريمة أخلاقية لا تقل عن جريمة سرقة الأموال العينية، فالعمل على “انتزاع الفكرة من منشئها ومبدعها جناية لا تقل عن جناية سلب الأموال والمتاع من صاحبها ومالكها” لكن ما لم تذكره الكتب ان السرقة كانت ضمن اسليب الحياه للمسلمين الاوائل واطلقوا عليها الانفال. لكنهم لم يتطرقوا اطلاقا لسرقة الادبية للنصوص الدينية التي تبرر فعل الانفال. وهو أمر طبيعي. فكيف تكون التشريعات مسروقه وتصبح مبررا للسرقة. وعليه اصبحت النصوص مقدسة ومن نفس المصدر لاعطائها شرعية حتي ولو حثت وشجعت علي الجريمة.لكن طلب السلامة جعلت المؤلف يملأ كتابه بأمثلة من الشعر الجاهلي والعباسي، ويترك الإشارة إلى سرقة الكتب والمقالات، والسكوت عن فضح المدعين والمزيفين، مع أن سرقاتهم كانت حافزه في التأليف، لذا جاء كتابه بأسلوب “إياكَ نعبد واياك نستعين”. حمل المؤلف الناقد الأدبي، قبل القضاة والفقهاء، مسؤولية صيانة ورعاية رد الأموال الفكرية إلى أصحابها، فهو الذي يقوم بمهمة الباحث الجنائي لما يرتكبه الناس لو لنهم فقط من الكافرون. اما المؤمنون أي اصحاب السرقات العينية فهم ممن ” لا خوف عليهم ولا هم يحزنون” .  ولا يستغني عن دوره في ظل عدم وجود قوانين لحماية هذا النوع من الملكية في فضح السارق لو لنه مشركا او من اهل الكتاب ومحذراً من التعامل ودفعه إلى الاعتراف علناً بحق المسلمين فقط. لقد باتت السرقة الأدبية صناعة اسلامية في ظل تسهيلات كثيرة يقوم بها الدعاة من المسلمين.بعد البحث وثبوت خلو كتب فقه المذاهب الإسلامية، وما كتب حول السرقة وأحكامها في كتب قانونية وفقهية مختصة، من أي إشارة أو تلميح إلى السرقة الأدبية والفكرية الاصلية في الكتاب العمده الذي لا ياتيه الباطل ولا يمسه الا المطهرون عبر الرسالة التالية “ما حكم السرقة الأدبية والعلمية في النصوص المقدسة، وأعني سرقة نص مكتوب من كتاب سابق، ونسبته إلى نبي آخر، نصاً أو بعد تحوير وتحرير، وما حكم سرقة الأفكار والآراء الأدبية والتشريعية بعد كشفها بالدليل القاطع، وهل يشبه حكمها حكم سرقة المال والحلال، مع أنها أكثر خطورة من غيرها”.أجاب على هذا الاستفتاء آية الله علي خامنئي مرشد الجمهورية الإيرانية الإسلامية، ورئيس لجنة الفتوى في الأزهر الشريف، والشيخ محمد حسين فضل الله، والشيخ الدكتور زكي بدوي عميد الكلية الإسلامية ببريطانيا، وآية الله الميرزا جواد التبريزي، والسيد الدكتور فاضل الميلاني أستاذ الجامعة الإسلامية وعضو مجلس أمناء مؤسسة الإمام الخوئي بلندن، وآخرون لم تصلنا ردودهم.كتب آية الله خامنئي عبارة مقتضبة في حكم سارق الفكر والنصوص: “بسمه تعالى، لا يجوز على الأحوط”، ومعروف في لغة الفقه أن القول بالاحتياط يأتي بعد وجود إشكال ما، ومعنى عبارته: لا يجوز على الأقوى، ولا يظن القارئ أن في عبارة خامنئي تردد أو تهاون مع هذا النوع من السرقة، وإنما هي اصطلاحات الفقه الحذرة، وخاصة في مسألة لم تطرح من قبل، ولم يعانِ منها الفقيه، ولم يهتم فيها المجتمع المحيط به، فالكتاب والمثقفون كما هو واقع الحال أقل صلة والتصاقاً بالفقهاء. فإذا كان المشرعون اختلفوا حول اعتبار اختلاس الكهرباء سرقة، بحجة أنها شيء غير قابل للحيازة، ويحتاج إلى هضم لفلسفة العلاقة بين المادة والطاقة، فكيف سيكون التعامل مع سرقة أفكار وخواطر؟كانت فتوى لجنة الأزهر في اختلاس الأفكار والنصوص واضحة، باعتباره سرقة قد يطول مقترفها حكم سرقة الأموال بتقدير وقياس الفعل، مع التمييز بين الاقتباس والسرقة، جاء في الفتوى: “تفيد اللجنة بأن الاقتباس بكل أنواعه من كتاب أو مجلة أو مرجع جائز شرعاً، ولا شيء فيه، بشرط أن ينسب إلى مصدره وصاحبه عند الكتابة والتسجيل، ورده إلى مصدره الأصلي. أما النقل من كتاب أو مصدر أو مجلة عند التأليف ونسبة ما كتبه الكاتب، وما نقله عن غيره إلى نفسه فهذا أمر حرمه الشرع والقانون، وهو نوع من السرقة. أما النقل للأفكار وكتابتها وتطويرها وتزويرها بأفكار أخرى وتحديثها فليس في ذلك شيء، وذلك ينطبق على سرقة الأفكار والآراء العلمية والدينية بشرط أنه عند هذا السؤال تنسب الفكرة إلى مخترعها ومبدعها، وذلك لا يشبه في حكمه شرعاً حكم سرقة الأموال والمتاع من قطع اليد وإقامة الحد، وإن كان يجوز في ذلك التقدير إذا كان الحال كما جاء بالسؤال، والله تعالى أعلم” (توقيع رئيس اللجنة 30 يناير 2003)”. والحال المقصود في السؤال هو “هل يشبه حكمها حكم سرقة المال والحلال، مع أنها أكثر خطورة من غيرها”، وحسب التقدير والمشابهة يطول سارق الأفكار والنصوص ما يطول سارق المال العيني من قطع أو حبس.عدَّ الشيخ فضل الله انتحال النصوص تزويراً للحقيقة، مع حكم سرقة الأفكار مثل حكم سرقة الأموال، جاء ذلك في جوابه: “أولاً: لا يجوز نسبة النص الثابت لكاتب معين إلى كاتب آخر لأنه كذب وتزوير للحقيقة. أما اعتباره سرقة بالمعنى الشرعي للكلمة فيتبع اعتبار الملكية الفكرية للنص من قبل القانون العام، أو العرف بحيث يؤاخذ الشخص على ذلك تماماً كما لو نسب الكتاب إليه أو طبع المؤلف على حسابه لاستثماره من دون إذن صاحبه. ثانياً: الحكم هو الحكم إذا علم بأن الفكرة مأخوذة من الفكر الآخر لا على أساس توارد الخاطر، أو الإعلان بتبنيه من قبل الشخص الذي يتبناه” (توقيع محمد حسين فضل الله 3يناير 3003). توصل الشيخ زكي بدوي كباحث ودارس في الفقه إلى حقيقة أن الفقهاء لم يتعرضوا لهذه النوع من السرقة من قبل، ولم يخرجوا بتفسير آية السارق والسارقة أبعد من السرقات العينية، وأشار إلى نقطة مهمة وهي أن المال الفكري لا يحفظ بصندوق أو بنك، وسارقه سارق علانية لا سارق سر، ويرى وضع عقوبة تعزيرية على مرتكبها، ورد في جواب الشيخ بدوي: “أن الفقهاء لم يتعرضوا لهذه المشكلة، إذ كان اهتمامهم منصباً على السرقات العينية، والتي جاء حكمها في آية “والسارق والسارقة.. الآية”. أما السرقات الأدبية فلا ينطبق عليها تعريف السرقة الفقهي، التي تشترط أن يستولي السارق خلسة على ملك الغير بقصد تملكه. والمواد الفكرية والعلمية لا توضع في حرز ولا تؤخذ خلسة بل تقع السرقة علناً. هذا من جانب ومن الجانب الآخر فقد كانت السرقات الأدبية بمعنى سرقة فكرة معينة في قصيدة (كلمة غير واضحة)، كما أن العلماء كانوا يقتبسون من كتابات غيرهم دون ذكر المصدر، إذ كانوا يرون العلم أمراً مشاعاً حتى كانوا يفتون بعدم دفع أجر لمعلم القرآن مثلاً. كل هذا لآن الظروف الاجتماعية في الماضي كانت لا تمنح الأديب ولا المفكر ثمناً في مقابل إنتاجه. أما اليوم فالمقالات الأدبية والفكرية لها ثمنها، فهي إذن مادة ينبغي حمايتها من جانب الشريعة، فأنا أرى أن مرتكبها قد تلبس بجريمة ينبغي أن يعاقب عليها عقوبة تعزيرية، أي غير محددة، يقررها الحاكم ردعاً لعامة الناس من ارتكابها، والله أعلم” (توقيع زكي بدوي 16 يوليو 2003). صحيح أن الفقهاء لم يطرقوا موضوع السرقة الأدبية لكنها كمشكلة كانت معروفة، عانى منها الكُتاب والأدباء، فحبروا ضدها المجلدات، واحتقروا مرتكبيها، وإن كان شاعراً علماً، وربما يبرر عدم اهتمام الفقهاء في حكمها بالتقليد الذي ساروا عليه في العصور كافة، فأئمة الفقه الخمسة أو السبعة لم تشغلهم هذه القضية، ولم يشغلهم ما هو خارج الهم الديني وما يتصل في العبادات والمعاملات، فكيف يهتم الإمام الشافعي بسرقة الشعر أو كتب الأدب، وهو الذي كبح فطرته الشعرية من أجل اهتمامه الفقهي بالقول:ولولا الشعر بالعلماء يُزري لكنت اليوم أشعر من لبيد اكتفى آية الله الميرزا جواد التبريزي في حكم السرقة الأدبية بعبارة أخلاقية عامة: “لم ينبغِ للمؤمن أن يعمل عملاً يذهب بتعب الغير هدار، والله الموفق إلى السداد”، وهو رأي تحذيري يقال في كل شواذ المجتمع، ليس فيه مقارنات الفقيه وحججه واستقرائه.غير أن أقوى رأي من بين المستفتين جاء على لسان السيد فاضل الميلاني، عندما قرن سرقة الفكر بسرقة الولد الصبي، فكم هي خطيرة إذاً؟ دون أن يعطي حكماً صريحاً فيها لكن تشبيه الأفكار والجهد الذهني عموماً بالأولاد يعني أن هذا النوع من السرقة أخطر من سرقة الأموال العينية، جاء في جواب الميلاني: “بسمه تعالى.. رغم أن مصطلح السرقة بالوصف القانوني قد لا ينطبق على القضية المذكورة أعلاه، فإن أخذ نتاج الآخرين”. ونسبته إلى مَنْ أخذه خيانة واضحة، ومخالفة صريحة لآداب المعاشرة والاعتراف بسلطة الكاتب والمؤلف، والشاعر ونحوهم على نتاجهم الفكري والأدبي. بل ربّما كانت هذه العملية أشد على صاحبها من اختطاف ولده الصلبي، ونسبته إلى غير أبيه. ومن الواضح أن الخيانة محرمة في الشريعة الإسلامية. وإذا استفاد (السارق) من هذه العملية فلا يبعد أن يكون مسؤولاً عن التعويض، والله العالم (سلخ جمادي الأولى 1423).يقود تردد الفقهاء في استخلاص حكم صريح أو تأكيد عقوبة السرقة المعروفة على منتحلي الأفكار والمال المكتوب إلى إهمال الأولين لهذا النوع من السرقة، لكن عذر أولئك أنهم آمنوا قبل ان يتبينوا ما الذي آمنوا به.  ومع ذلك  فالرواية الأدبية بمفهوم بعض الفقهاء كذب واختلاق والبحث في النظريات الفلسفية والعلمية زندقة، لذا أظهروا أحكاماُ رادعة لمن يحاول أن يشوه النصوص الدينية بزيادة أو نقصان ولم يهتموا بأصالة سواها من النشاط الذهني، ومن أصول النقل والرواية ما ورد في كتاب الخطيب البغدادي (ت463هـ) “الكفاية في علم الرواية”، الذي حث على حفظ جهد الرواة وسلامة السند، والعبرة أن الخلل في نسبة النص يؤدي بالتالي إلى إمكانية تزويره، وهذا ما ترمي له جهود فضح السرقة الأدبية، لكي لا يشاع أدب مشوه وتشتهر بين الناس أسماء أدعياء. فالمهم عند هؤلاء هو السند والعنعنة لكن من صاحب الملكية فهذا ليس مهما.ومع التساهل القديم في أمر السرقة الأدبية إلا أن الأولين احتفظوا بأصول التأليف في الشعر الجاهلي، ولاخفاء السرقة اضيفت الغازا لا نعرف لها من معني في بديات السور مثل الم، كهيعص، طه. ومع ذلك وجد المعاصرون حيلة لستر هذه السرقة فأخذوا يذكرون كلمات وحروف ميزت ما بين المصنفين، وهي بالغالب حروف جر وعطف وعبارات استدراك. بهذا اصبح المسرق حلالا وموضع ترتيل وتجويد وقراءة وحفظ وان الله له لحافظ. فسبحان الله له في المسروقات شئون. 

 

There are no comments on this post.

Leave a comment